توقف عن الشرح فجأة، دخلوا بهدوء بوجوه صامتة بلا تعبير، ووضعوها علي التخته بلا حركة! رأيتها؛ زرقاء باهتة باعثة علي الكآبة، ولم يخفف كآبتها ذلك الغطاء الأبيض، تخيلت للحظة ما بداخلها، أهي سموم سيغرزونها في أجسادنا؟ أم سوائل تشفينا من بهجتنا وسرورنا؟ لحظة التخيل مرعبة!
أفقت من دوامتي وتنبهت إليهم، ثلاث أشخاص؛ رجل وامرأتان، غليظ البدن ممتلئ به، يرتدي بالطو ابيض ونظارة طبية اخفت ضوء عينيه، وحجبت عني أهوالا من النظرات، رغم وسامته وتلك الابتسامة السخيفة إلا أنني ازددت هلعا ورعبا!!
كنت أظن انه مخيف، لكني رأيتهم عمودان من الصمت متشحان بلباس أزرق باهت اقل بهوتا من لون الصندوق لو اطلعت عليهم لوليت منهم فرارا ولملئت منهم رعباً، ما سر حبهم لذلك اللون؟ ممرضتان لا أتذكر وجوههم ولا ألوانهم غير انهم امرأتان صامتتان وبلا تعبير ع وجوههم، لماذا دائما النساء باعثون للرعب؟!
غصت في بحر عيونهم، تائها فيها، ما ورائهم، لماذا أتوا؟ هل لهم ان يرحموني ويتخلون عن تلك الوجوه الصماء التي تزيدني هلعا، للحظة تخيلت نظرات زملائي في الفصل، هل أصابهم رعب كما أصابني ام انهم غرقوا معي في بحر العقل وتكهناته!
لفظها فجأة بلا مقدمات “قيام” وكأن الصوت قادم من بعيد، كأنني نسيت الأصوات وصوته الجهوري المزعج، ألم يكن ارحم واخف وطأة؟ هل خرجت من فمه هل سمعت لفظ “التطعيم” اما انا في كابوس؟ متي تأتي لحظة الموت، كي استيقظ مفزوعا!
أو ليست الكوابيس جميلة مقارنة بالحقيقة؟!، ألهذه الدرجة الحقيقة مؤلمة وبشعة! افقت ورأيتهم يغرزون سؤالهم بلا رحمة ولا شفقة، والبنات يصرخن من الألم، على ماذا يصرخن؟ اهي مؤلمة لهذه الدرجة؟! اللعنة على البنات وصراخهن، الا يستطعن الاحتمال؟!
بدا الظل غريبا هذه المرة لم يكن ظلا واحدا بل كانوا ثلاثة! ثلاثة؟! كم اكره هذا الرقم! “شمر دراعك” نظرت إليه عن قرب محاولا النفاذ الي أعماقه استخلص من عينه نظرة شفقة أو رحمة، بدا غير مباليا بي، هل استسلمت لتلك الممرضة البشعة وتركتها تفك أزرار قميصي؟ ام ان منظره وهو يملأ السرنجة ويطرطش منها بعضا من المحلول مرعبا لدرجة الفزع، هل تتألم الدجاجة عندما تحدد امي السكينة أمامها لكي تذبحها؟
انظر اليهم، الي وجوههم الصماء، أتسأل كيف يحتفظون بتلك الوجوه؟ تشمر كم قميصي تمسك ذراعي بقسوة، هل تخاف هروبي؟ أراه يبتسم لي وفي يديه السرنجة، يقول لي : غمض عينيك ومبتبصش للحقنة، أطيعه بل كلام واحبس آلامي وعذابي في قفص من الصمت لا أحاول ان أتخيلهم، أحاول جاهدا كنسهم من خيالي، اشعر بشكة مؤلمة وأتخيلها تنفذ داخل جلدي وتندمج مع اللحم، يغرسها أكثر فاشعر بالسائل يجري في عروقي كأنه مخدر، أجيوش من النمل احتلت ذراعي؟ انتفض ! وأشعر بشيء يوشك ع الانكسار بداخلي اهو قلبي ام السرنجة ! يتركون يدي تنزف دماء، واسمع همهمة غاضبة وصوت الدكتور “الحمد لله متكسرتش في دراعك”
افتح عيني ببطء انظر حولي لا أرى الدكتور ولا الممرضتان، أرى زملائي ينظرون الي والدموع مجففة علي ووجههم، انظر الي نفسي، والي مكان الحقنة دائرة حمراء ملتهبة، الملم كم قميصي والملم روحي المبعثرة، كعذراء تم اغتصابها !